منذ أن تم بالصدفة
اكتشاف الأندورفين (Endorphins) في عام 1975م، وهو يعد من أهم مسكنات الألم
التي تفرز طبيعياً من جسم الإنسان. والأندورفين هو في الواقع من مجموعة البيبتيدات
المتعددة (Polypeptides)
التي تتمثل مهمتها
الرئيسية في توصيل الإشارات العصبية عبر الجهاز العصبي.
يُصنَع الأندورفين من قبل تحت المهاد (Hypothalamus)ن ويُفرز في الدم عن طريق الفص الأمامي للغدة النخامية (Pituitary) في أوقات الإجهاد (stress) وحالات الإحساس بالألم، حيث يقوم الأندورفين بالاتحاد بمستقبلات الألم في
الخلايا العصبية، وبالتالي يخفف الشعور بالألم، بالطريقة نفسها التي تعمل بها بعض
الأدوية المسكنة للألم (المخدرة) كالمورفين والكودين، إلا أن الأندورفين الذي يفرز
طبيعياً من الجسم لا يؤدي إلى الإدمان كما هو الحال مع الأدوية المخدرة المصنعة
كيميائياً. ويؤدي اتحاد الأندورفين بالمستقبلات العصبية (Neurotransmitter) إلى منع إفراز الموصلات العصبية من النهايات العصبية،
مما يحجب عملية توصيل الشعور بالألم إلى الدماغ.
يفرز الأندورفين استجابة لكل من الإجهاد (Stress) والألم، ويتمثل عمل الأندورفين في تخفيف الشعور بالألم، وخفض الإجهاد،
وتعزيز الجهاز المناعي، كما أن من تأثيرات إفراز الأندورفين تحسن المزاج لدى الشخص
والشعور بالسرور والانبساط.
يوجد حالياً أكثر من عشرين نوعاً من الأندورفين قد تم التعرف عليها، ومن
بين الأنواع التي تفرز داخل الجسم كل من ألفا (Alpha) أندورفين، بيتا
(Beta) أندورفين، جاما (Gamma) أندورفين، سيجما (Sigma) أندورفين، على أن بيتا أندورفين يعد أكثرها قوة وفعالية، وهو يتكون من
سلسلة طويلة من الأحماض الأمينية (ثلاثين حمضاً أمينياً )
تأثير الجهد البدني على تركيز الأندورفين في الدم:
- يفرز الأندورفين استجابة للجهد البدني الهوائي المعتدل الشدة الذي يدوم 20 دقيقة فأكثر، وقد يفرز في حالة الجهد البدني الأقل شدة إذا استمر الجهد لفترة طويلة. وطبقاً لنتائج بعض الدراسات، فإن تركيز الأندورفين في بلازما الدم يزداد استجابة للجهد البدني التحملي ليصل إلى 5 أضعاف تركيزه في الراحة. وعلى الرغم من عدداً من البحوث وجد أن هناك حداً أدنى من شدة الجهد البدني لكي يتم إفراز الأندورفين بشكل كافِ، إلا أن بعض من الدراسات الأخرى التي فحصت العلاقة بين شدة الجهد البدني ومدته ومستويات تركيز الأندورفين لدى العدائين الذكور لا تشير إلى أن هناك شدة محددة يزداد عندها معدل إفراز الأندورفين.
- كما يرتفع تركيز الأندورفين استجابة للضغط النفسي الذي يسبق بدء المسابقة الرياضية، لكن مستوى تركيزه في بلازما الدم يزداد بشكل أعلى استجابة للجهد البدني خاصة العنيف، ففي دراسة أُجريت على مجموعة من السباحين تم خلالها قياس مستوى تركيز الأندورفين أثناء الراحة (قبل المسابقة بعدة أيام) ومقارنته بتركيزه في البلازما لدى مجموعة أخرى من غير الرياضيين، ولم يكن هناك أي فرق في تركيز الأندورفين في الراحة بين السباحين وغير الرياضيين، إلا أن تركيز الأندورفين في البلازما قبل المسابقة بقليل قد ارتفع من مستوى تركيزه في الراحة البالغ 36.3 ± 2.9 بيكو جرام/ ملي لتر إلى 51.8 ± 2.3 بيكو جرام/ ملي لتر، على أن مستوى تركيز الأندورفين بعد مسابقة سباحة 100 متر حرة قد ارتفع كثيراً ليصل إلى 128.6 ± 18.1 بيكو جرام/ ملي لتر.
- ولا يبدو بشكل عام أن هناك فروقاً ملحوظة في استجابة الأندورفين للجهد البدني لدى المرأة مقارنة بالرجل، كما تشير إلى ذلك نتائج البحوث التي قامت بالمقارنة بين الذكور والإناث في هذا الشأن، على الرغم من أن البعض قد سجل مستوى تركيز أقل للأندورفين في الراحة لدى المرأة الرياضية مقارنة بالرجل الرياضي .
- ويعتقد كثير من العلماء أن الأندورفين هو المسئول عن حالة الشعور بالانبساط التي يحس بها العداءون المنتظمون على رياضة الجري والمسماة (Runner's High)، على الرغم من الاختلافات الكبيرة في توقيت إفراز الأندورفين بين عداء وآخر، فبعضهم يفرز جسمه مادة الأندورفين بعد حوالي 10 دقائق من الجري، والبعض الآخر قد يستغرق الأمر منه 20-30 دقيقة قبل شعوره بحالة الانبساط الناجمة من إفراز مادة الأندورفين، علماً بأن الإحصائيات تشير إلى أن حوالي 70% فقط من العدائيين المتمرسين يشعرون بحالة الانبساط هذه. ومن غير المعروف بالتحديد كيفية حدوث حالة الانبساط هذه، إلا أن البعض يعزوها إلى ارتفاع تركيز الأندورفين في بلازما الدم، على الرغم من أن الأندورفين الموجود في بلازما الدم لا يتمكن من عبور الحاجز الدموي الدماغي (Blood-brain Barrier)، لكن بعض الدراسات التي أجريت على الحيوانات تشير إلى أن الأندورفين يُنتج في داخل الدماغ استجابة للجهد البدني. أخيراً يعزو بعض المختصين حالة الشعور بالإدمان على ممارسة الرياضة لدى بعض الأشخاص إلى إفراز الأندورفين، وإن كان لا يوجد دلائل علمية قوية تربط ظاهرة إدمان الإنسان على ممارسة الرياضة بإفراز الأندورفين.