مع حلول شهر رمضان
المبارك دائماً ما يتساءل العديد من القراء عن فوائد ممارسة النشاط البدني في هذا
الشهر؟ وهل الأفضل الممارسة في النهار أم في الليل؟ وهل ينبغي ممارسة النشاط
البدني قبل الإفطار أم بعده؟
ثم ما هي الأماكن
التي ينبغي تجنبها عند ممارسة النشاط البدني. يتساوى في طرح هذه الأسئلة وغيرها كل
من الممارس العادي الذي ينشد الصحة أو يرغب في خفض وزنه، والرياضي الذي يمارس
تدريبات عنيفة قبل شهر رمضان، ويرغب في أن يحافظ على لياقته البدنية خلال شهر
رمضان. في الفقرات التالية نحاول الإجابة على التساؤلات السابقة وغيرها.
س 1: هل ممارسة النشاط البدني أصلاً مفيدة لصحة الإنسان؟
ج 1: بالتأكيد، خاصة الممارسة المنتظمة للنشاط البدني المعتدل الشدة، حيث
تؤكد العديد من توصيات المنظمات العلمية والصحية المعنية بصحة الإنسان ومنها منظمة
الصحة العالمية إلى ارتباط النشاط البدني بالصحة العضوية والنفسية للفرد، بما في
ذلك أهميته في خفض مخاطر الإصابة بأمراض القلب، والوقاية من داء السكري، ومكافحة
السمنة، والوقاية من هشاشة العظام، بالإضافة إلى أهميته في خفض القلق والكآبة،
والوقاية من سرطان القولون.
س 2: كم ينبغي على الإنسان أن يمارس النشاط البدني للفائدة الصحية؟
ج 2: تؤكد البحوث العلمية على أن الحد الأدنى من النشاط البدني المرتبط
بالصحة هو 150 دقيقة في الأسبوع، أي ممارسة نشاطاً بدنياً يعادل 30-60 دقيقة في
اليوم، معظم أيام الأسبوع.
س 3: ما المقصود بالنشاط البدني المعتدل الشدة؟
ج 3: يقصد بالنشاط البدني المعتدل الشدة، ذلك النشاط البدني الذي يمكن
للشخص من أن يستمر في ممارسته لعشر دقائق أو نحو ذلك بدون الشعور بتعب شديد. وهو
ما يوازي في الواقع 3-6 أضعاف ما يصرفه الفرد من طاقة في الراحة (أثناء الجلوس).
ومن الأمثلة علة الأنشطة البدنية المعتدلة الشدة: المشي السريع، الهرولة للبعض
(لغير المبتدئين)، السباحة، ركوب الدراجة، والعديد من الأنشطة الرياضية الأخرى.
ويدخل ضمن الأنشطة البدنية المعتدلة الشدة العديد من الأنشطة البدنية
الحياتية، مثلك كنس المنزل وتنظيفه، وغسيل السيارة، والقيام ببعض أعمال الزراعة
المنزلية، وما شابه ذلك. والجدير بالذكر أن نشاطاً بدنياً معتدلاً لشخص ما، قد
يكون مرتفع الشدة لآخر، تبعاً للحالة الصحية للشخص، ولياقته البدنية، وعمره، مما
يجعل الشدة المعتدلة نسبية في حقيقة الأمر.
س 4: هل جميع الأنشطة البدنية مفيدة للصحة، أم هناك أنشطة أكثر نفعاً من
أخرى؟
ج 4: بصورة عامة، ممارسة أي نشاط البدني مفيد للصحة، خاصة إذا كان ضمن حدود
المدة والشدة المنشودتين، مع الأخذ بالاعتبار الحالة الصحية للشخص. لكن ينبغي في
الواقع معرفة الهدف من ممارسة النشاط البدني أولاً حتى يمكن إعطاء الوصفة المناسبة
من النشاط البدني. ففي حالة الرغبة بخفض الوزن، يتم التركيز على مدة النشاط البدني
وتكراره بغض النظر عن الشدة، أي زيادة حجم الطاقة الكلية المصروفة في الأسبوع من
خلال ممارسة أنشطة بدنية تستخدم فيها معظم العضلات الكبرى من الجسم، مثل السباحة
والمشي السريع وركوب الدراجة.
ولهذا، فيستحسن ممارسة هذه الأنشطة أو ما شابهها لمدة تصل إلى 3-4 ساعات في
الأسبوع على الأقل، من أجل صرف أكبر قدر من الطاقة. أما إذا كان الغرض من الممارسة
هو تنمية لياقة القلب والرئتين، فالمطلوب ممارسة نشاط بدني هوائي، بشدة معتدلة على
الأقل ولمدة نصف ساعة في كل مرة على مدى 3-5 أيام في الأسبوع.
كما أن لنوع النشاط البدني الممارس دور في وصف النشاط الملائم للشخص، فإذا
كان الهدف هو زيادة كثافة العظام، فإن المشي أو الهرولة أو الرياضات الأخرى التي
يتم فيها حمل الجسم، أو تلقي عبئاً على العضلات والعظام (مثل رفع الأثقال ونط
الحبل) هي الأنشطة المناسبة، وليس السباحة أو ركوب الدراجة.
س 5: ما ذا عن تمرينات القوة العضلية للجسم؟
ج 5: تؤكد البحوث العلمية الحديثة في الواقع على أهمية تمرينات التقوية
العضلية، خاصة لكبار السن، وفي السابق كان يُحضر على كبار السن أو المصابين بأمراض
القلب ممارسة تمرينات رفع الأثقال، نظراً لأنها تقود إلى ارتفاع ضغط الدم، لكن في
الوقت الحاضر أصبحت التوصيات تحث على ممارسة تمرينات التقوية العضلية سواء
باستخدام الأثقال الحرة أو الأجهزة، نظراً لأهميتها في المحافظة على العضلات من
الضعف والضمور مع تقدم السن.
لكن ينبغي الحذر عند ممارسة هذا النوع من التمرينات البدنية خاصة للمصابين
بأمراض القلب أو ضغط الدم المرتفع، وعدم رفع أثقال قصوى أو قريبة من القصوى، مع
محاولة جعل التمرين ديناميكياً (حركياً)، وليس ثابتاً.
س 6: هل من وجود أي اشتراطات قبل البدء بممارسة النشاط البدني؟
ج 6: لا يوجد أي
تحفظات على ممارسة النشاط البدني، خاصة المعتدل الشدة للشخص الذي لا يعاني من أي
مشكلات صحية وعمره دون الأربعين. أما اللذين هم من غير المعتادين على ممارسة
النشاط البدني وأعمارهم فوق الأربعين، أو ممن يعانون من مشاكل صحية، مثل أمراض
القلب، فعليهم استشارة الطبيب قبل البدء بممارسة أي نشاط بدني معتدل أو مرتفع
الشدة.
س 7: في ضوء أهمية ممارسة النشاط البدني، هل ينبغي ممارسة النشاط البدني في
شهر رمضان؟
ج 7: إن أداء نشاطاً بدنياً معتدل الشدة في جو
غير حار أمر لا بأس به في نهار رمضان، بل قد يكون من المستحسن للشخص الذي يرغب أن
يخفض من وزنه أن يجمع بين الحمية الغذائية المتوازنة وممارسة نشاطاً بدنياً معتدل
الشدة خلال شهر رمضان.
س 8: هل الأفضل ممارسة النشاط البدني في نهار رمضان أم في الليل؟
ج 8: يعتمد القرار على أمور كثيرة، منها رغبة
الشخص وجدوله اليومي في شهر رمضان، وشدة الممارسة، وحرارة الجو. لكن ممارسة النشاط
البدني المعتدل الشدة مثل المشي قبل الإفطار بحوالي ساعة، على سبيل المثال، قد
يكون أمراً مستحسناً لمن يرغب في خفض وزنه، لأن ذلك يساعد على زيادة حرق الدهون في
الجسم، حيث بعد فترة من الصيام الطويل تزداد عملية تجهيز الدهون في الجسم، فيصبح
تركيزها في الدم أكثر من المعتاد، مما يساعد على زيادة استخدامها من قبل العضلات
كمصدر للطاقة.
أما في مساء رمضان فلا شك أن حرارة الجو الخارجي في فصل الصيف تكون أقل من
النهار، مما يمكن الممارس من الممارسة لوقت أطول، وتناول السوائل بحرية، خاصة أن
تعويض السوائل المفقودة من الجسم عن طريق التعرق يعد أمراً حيوياً.
س 9: ما هي المدة الزمنية اللازمة للانتظار بعد الإفطار قبل البدء بممارسة
النشاط البدني؟
ج 9: يعتقد أن ساعتين إلى ثلاث ساعات تعد مدة كافية من الانتظار بعد تناول
وجبة الإفطار لكي يمكن ممارسة النشاط البدني، وهي في الواقع المدة الفاصلة بين
تناول الإفطار والانتهاء من صلاة التراويح.
س 10: الملاحظ كثرة ممارسي النشاط البدني على أرصفة الشوارع، هل من تعليق
على ذلك؟
ج 10: في الواقع إن أرصفة الشوارع الرئيسية المزدحمة بالسيارات تعد أسوء
مكان يمكن للمرء أن يمارس فيه النشاط البدني، فالهواء المستنشق يحتوي العديد من
الملوثات المنبعثة من عوادم السيارات، مثل أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد
الكبريت، وأكاسيد النترات، وبالتالي فممارسة المشي على سبيل المثال بالقرب من
الشوارع المزدحمة بالسيارات يزيد من كمية الملوثات التي يستنشقها الممارس، مما يضر
بصحته، خاصة لدى اللذين يعانون أصلاً من مشاكل قلبية أو تنفسية، أو حتى النساء
الحوامل.
والمعروف أن غاز أول أكسيد الكربون المنبعث عادة من عوادم السيارات (أو من
دخان السجائر) له قابلية شديدة للاتحاد بالدم تزيد بأكثر من 200 مرة على قدرة
الأكسجين على الاتحاد بالدم. ويعتقد أن الشخص الذي يمارس نشاطاً بدنياً معتدل
الشدة لمدة 30 دقيقة بالقرب من الشوارع المزدحمة بالسيارات يتعرض لكميات من أول
أكسيد الكربون تعادل الكمية الموجود في تدخين نصف علبة سجاير.
الرياضي والتدريبات البدنية في رمضان:
• لا يوصى بإجراء
التدريبات البدنية العنيفة في نهار رمضان لعدة أسباب، منها أن ذلك يؤدي إلى فقدان
مقداراً محسوساً من سوائل الجسم عن طريق التعرق الغزير، خاصة في الجو الحار، مما
يعرض صحة الرياضي للخطر، نظراً لأنه لا يستطيع تناول السوائل في نهار رمضان.
بالإضافة إلى ما سبق، فإن البحوث العلمية تشير إلى أن الصيام الطويل يقود إلى
انخفاض قدرة الفرد على أداء جهد بدنياً تحملياً، لذا ينبغي على الرياضيين ومدربيهم
تعديل برنامج التدريبات البدنية ليصبح في مساء رمضان بدلاً من نهاره، وأن تقتصر
تدريبات النهار على الجوانب المهارية والخططية بدون إجراء أي تدريبات بدنية عنيفة.
• لا يعتقد أن
شهر رمضان بحد ذاته يؤثر سلباً على اللياقة البدنية للرياضي الذي يتدرب أثناء
الليل، خاصة إذا حافظ على تغذية جيدة طوال شهر رمضان، وتناول السوائل بما فيه
الكفاية، غير أن من الملاحظ في وقتنا الحاضر حدوث تأقلم للجسم في بداية شهر رمضان
استجابة لتغير الساعة البيولوجية داخل الجسم، الناتج عن التغيرات الحاصلة في
مواعيد النوم واليقظة، والأكل في هذا الشهر الكريم، الأمر الذي قد يؤثر قليلاً على
الأداء البدني للرياضي في بداية الشهر.
• لا يوجد أي
لزوم لتغيير غذاء الرياضي في شهر رمضان، بل التأكيد فقط على أن يكون الغذاء
متوازناً يكفل حصول الرياضي على ما لا يقل عن 60% من الطاقة من المواد
الكربوهيدراتية، مثل الأرز، والخبز، والمكرونة، والمعجنات، والفواكه، مع الإكثار
من شرب السوائل في المساء. كما لا بد من التنبيه إلى أن أهم فترة يقوم فيها الجسم
ببناء مخزون الجلايكوجين في العضلات بمعدل مرتفع هي الساعات الأولى التي تلي
الانتهاء من التدريب البدني العنيف، الأمر الذي يعني ضرورة تناول أكبر قدر من
المواد الكربوهيدراتية الصلبة والسائلة بعد التدريب مباشرة ولعدة ساعات لاحقة.
• لا ينبغي
التوقف عن التدريب البدني أثناء فترة إجازة العيد لمدة تزيد عن 10 أيام على
الأكثر، نظراً لأن التوقف عن التدريب فترة أطول من ذلك يؤدي إلى فقدان اللياقة
البدنية، وكلما ازدادت فترة التوقف كلما ازداد الانخفاض في اللياقة البدنية.